ريان الشيباني
نحن من ندّعي أننا “فبرايريون”، يجب أن نعترف. في السنتين الأخيرتين، كان وجود علي عبدالله صالح مسلياً، لولا أنه كان عليه أن يقول لنا ذلك. نعم، لما حملناه كل هذه التبعات عن حياتنا، ولمنحناه ميكرفوناً، وخصصنا له مساحة لا بأس بها، نستمع لنكاته، وحركة الحمام الزاجل في كتفه الأيمن، وهجائه المستمر للمسؤولين الرديئين الذين صنعهم كخبز يديه، وصاروا يحكموننا.
لكننا مع الأسف لم نكن نعرف، وأكثر من ذلك فإن وجوده كان مهماً في حياتنا إلى ذلك الحد، حتى ذوت شمعته، وصار علينا أن نتعايش مع هذه الأوقات الماحقة الملل. هذه المشكلة لا تخص علي عبدالله صالح وحده، بل يمكن أن نقيس عليها شخصيات أخرى في وجودنا المتداعي، شخصيات نعتقد أنها مؤذية، لكن لو أمعنا النظر سنجد أن لها وجود مسلٍ في حياتنا.
من منّا لا يرجع بين حين وآخر إلى صفحة محمد عبدالمجيد الزنداني وشقيقاته، أو فيديوهات والده، وإعجازه العلمي، ليمسرح لحظات حياته الكارثية. الابتسامات البلهاء، واللهجة الخطابية الوديعة، وأسماء علماء الغرب التي ينطقونها بصعوبة، ويظنون أنهم يفحموننا بما تحمله من غموض وإبهام.
لكن معنا نحن أيضاً حق، لأن اقتران الخطاب بالعبط أو السلطة، له أثر مدمر، لذا -ونحن نرى كل هؤلاء بلا أنياب- نشعر بالعتب أكثر من السخط. كان على كل هؤلاء الطغاة، أن يشعرونا بتقليم الدنيا لأظافرهم. أن يقولوا شيئاً بشأن عدم قدرتهم التصالح مع العطالة، واللجوء إلى الخطابة كآخر ما لديهم من سلوى.
ما الذي سيضير علي عبدالله صالح، بعد العام 2017 أن يقول لنا: أيها الشعب، دعوني أتسلى، لم يعد لي غير فمي، وهذه القنفزات، دعوني أتسلى. لكن لم يكن الأمر كذلك، ولن يكون. هو في الأخير كان يريد أن يقول بنكاته، وقدرته على التسلية، أنا لا أزال أحكمكم، الشيء الذي لم نستطع استيعابه، أو التسامح معه. هذا الأمر، أعتقد أنه ينطبق مؤخراً على الأستاذ عبدالله أحمد علي العديني، مالم يكن الرجل يعض.
يجب أن نعرف شيئاً. هؤلاء القادة تجاوزهم العصر، وصار لزاماً علينا التعاطف معهم، ومع ما يحملوه تجاه عصرنا من ضغائن. في كثير من الأوقات، عندما يداهمني الضجر، أدخل لإحدى هذه الصفحات. لأولئك الذين لا تقطع فيهم حركة التاريخ، وليسوا على استعداد للدوران مع محور الأرض. أولئك الذين لا يزالون يعتقدون أننا مركز الكون، وأن الشمس لا تزال تدور حول عمائمهم. أن هذه السنوات الطوال من المخناسة هي لتمكينهم في الأرض، لا لدفع شر بلائهم عن الساحة.
كانت فبراير حاجة وليست ترفًا.. فهل تعرضنا لكل هذا التنكيل والعقاب طمعاً في الوصول إلى هذه اللحظة؟! اللحظة التي نرفع فيها أيدينا مستسلمين، أو ننضم إلى الجوقة التي تريد أن تجعل من هذا الفعل العفوي شيئًا مدنسًا، ونلعن أنفسنا؟! فقط لأننا حلمنا بدولة، فسلب منّا كامل بلدنا؟!
هناك من انتفع من فبراير، نعم، وهم على قدم المساواة في هذا سلطة ومعارضة.. ما يعني أن شأن فبراير لم يعد يخص ثلة الشباب وبسطاء اليمنيين الذين خرجوا بأحلامهم مجردين إلى الساحات، إنها تعني بالمنطق النفعي كل ذي حظوة في هذه الحرب، من صدّروا أموال اليمنيين إلى القاهرة والإمارات وعمّان وتركيا وعُمان.
ومثلما تعرضت فبراير للخيانة من داخلها، كانت مكاسبها وخساراتها على ذات القدر من العدل، وقد أتت على بعض خصومها وتركتهم محل عبرة، تماماً مثلما التهمت ابنائها المخلصين ومن نجا منهم تركتهم فريسة ينهش فيهم الإحباط والأسى والتمزق. فما الذي يملكه شاب خرج لإصلاح نظام حكمه، فتكالبت على أحلامه الأمم؟!
بالطبع لا يوجد سبيل آخر غير التمسك بالحلم والأمل في كون هذه اللحظة التاريخية العظيمة، هي المنطلق الواقعي لمواجهة البلد لمآزقه ومشكلاته التي ولدتها أكثر من ثلاثة عقود من العبث واللصوصية والحكم بالتوازنات والترضيات وجعل الدولة ملكاً خاصاً لـ”أبناء الذوات”. الثلاثة العقود (الجملكية) التي كانت سببًا في دخول البلد دوامة الفوضى هذه، وليست تلك التي رفع فيها الناس أكفهم إلى السماء مجردين حتى من ملابسهم. وشكراً.